الدوري الإسباني

تشابي ألونسو وثورة “العقل البارد”.. كيف غيّر هوية ريال مدريد في وقت قياسي؟

في وقت قياسي، أحدث تشابي ألونسو ثورة تكتيكية داخل ريال مدريد، معتمدًا على اللعب الجماعي

في فترة زمنية قصيرة، أحدث تشابي ألونسو ثورة فكرية وفنية في ريال مدريد، ثورة وصفها المتابعون بـ”ثورة العقل البارد”، حيث استطاع اللاعب السابق والمدرب الطموح أن يُعيد رسم ملامح الفريق الملكي، بعيدًا عن ضجيج النجومية، وبعيدًا عن التقاليد الكلاسيكية للعب المدريدي. فكيف أعاد ألونسو تشكيل هوية الميرينغي من جديد؟

سيطرة وسطية بعقل منظم

منذ اللحظة الأولى لتوليه المهمة، ظهرت بصمات ألونسو على وسط الميدان. الرجل الذي لمع كلاعب بفضل ذكائه وتوازنه، نقل تلك الصفات إلى أرض الملعب كمدرب. اعتمد على فلسفة الاستحواذ المنظم، والتمريرات القصيرة السريعة بلمسة أو اثنتين، مع سرعة في التحول من الدفاع للهجوم. تمامًا كما كان الحال مع ليفركوزن، فرض ألونسو أسلوبًا يُمكّن الفريق من التحكم بإيقاع المباراة واسترجاع الكرة بسرعة عند فقدانها.

اللعب الجماعي أولًا.. والنجم ليس كل شيء

بعكس ما اعتاده جمهور ريال مدريد من الاعتماد على الأسماء الثقيلة، فضّل ألونسو تقديم المنظومة على حساب الفرديات. لم يتردد في إبقاء بعض النجوم على دكة البدلاء، في مقابل تصعيد لاعبين شباب أو أقل شهرة، مثل غونزالو وغولير، الذين أثبتوا جدارتهم في الملعب. الرسالة كانت واضحة: الأداء هو الفيصل، وليس الاسم أو السعر.

أدوار هجينة.. لاعبون بعدة وجوه

أحد أكثر الجوانب ثورية في مشروع ألونسو هو التوظيف التكتيكي المتنوع. حول لاعبًا مثل تشواميني إلى حلقة وصل بين الدفاع والوسط والهجوم، بل وأصبح يقوم بأدوار هجينة حسب مجريات اللعب. هذه المرونة منحت ريال مدريد قدرة عالية على التكيف داخل المباريات، وإرباك خصومه بتحولات لا يمكن التنبؤ بها.

العودة إلى الجهد والضغط الجماعي

فرض ألونسو فلسفة تقوم على الضغط العالي والركض الجماعي والقتال البدني. لم يعد الفريق يعتمد فقط على مهارات فردية لحسم المباريات، بل بات يُظهر صلابة جماعية في جميع خطوطه. لاعبو مدريد اليوم يركضون كما تفعل فرق مثل برشلونة أو باريس سان جيرمان، لكن بتركيبة عقلانية لا تُنهك الفريق بدنيًا.

إحياء مشروع الناشئين

إحدى أبرز مميزات المدرب الجديد كانت ثقته بالناشئين، الذين نالوا فرصًا حقيقية لإثبات أنفسهم. لا يهم إذا كنت تملك سيرة ذاتية ممتلئة بالبطولات، أو صعدت من “الكاستيا” قبل أسابيع، فالجميع سواسية أمام عدالة تشابي التكتيكية. هذه الثقة أرسلت رسالة بأن عهد المحاباة قد ولى، وأن البناء الحقيقي يبدأ من القاعدة.

توازن بين الماضي والمستقبل

لا يميل ألونسو للمجازفة المطلقة، ولا للجمود الدفاعي. مرونته التكتيكية في التبديل بين 3‑4‑3 و 4‑3‑3 تعكس عقلية مدرب يعرف متى يتمسك بالأساس، ومتى يغامر بالتحديث. لذلك، لا يُنظر إلى مشروعه كنسخة مكررة من تجارب سابقة، بل كجسر بين الهوية القديمة والحداثة.

تحديات تنتظر العقل البارد

رغم الانطلاقة المبشرة، إلا أن التحديات لم تتوقف. إصابة لاعبين مثل فيرلان ميندي وتوني كروس تركت فجوات في العمق، وأثارت التساؤلات حول البدائل. كما أن نجاح النظام في أول خمس مباريات لا يعني أنه مضمون على مدار موسم كامل. الصبر سيكون سلاح ألونسو، خاصة مع اقتراب التحديات الكبرى مثل كأس العالم للأندية.

خاتمة: التاريخ يكتب من جديد

تشابي ألونسو لا يعيد فقط تشكيل ريال مدريد، بل يُعيد كتابة قصة جديدة للفريق. في زمن صارت فيه كرة القدم تُدار بالعاطفة والإثارة، جاء “العقل البارد” ليُثبت أن الانضباط، والتكتيك، والثقة بالمنهج، يمكن أن تصنع فريقًا لا يُقهر. وإن نجح في عبور اختباره الكبير أمام باريس سان جيرمان، فستكون ثورته قد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى